منذ قديم الزمان، مازالت الثقافة والمعارف تقام لها وزن وتقدير. تنورت بها ظلمات الجهل و تقشعت سحب الأمية. إذ هي تغذي العقول وتنمي الأفكار وتصوب الآراء. وقد سخّرت بها البشرية و تمكنت من حل الصعوبات والمشاكل بفضلها أية كانت نوعها وطبيعتها. وبالتالي، حلّت الثقافة محل أهم مقومات الرقي البشري والاجتماعي والقومي. كذلك تنوعت طبيعتها من حيث المجتمعات والأمم.
شهدت الهند نهضة جديدة منذ ما بعد الاستعمار في المجال الفكري والتعليمي والثقافي والسياسي والاجتماعي كذلك. وذلك بدعوة من التيارين الثقافيين برزا على منصة الشهود في الهند. أحدهما تيار ثقافي عصري وحديث. وثانيهما تيار ديني بحت. فالأول، يمثله حكيم الأمة السر سيد احمد خان الذي كان له نظرا ثاقبا ورؤية مستقبلية، والذي كان مرمى هدف رسمه اللورد ميكوليه. وهذا التيار الثقافي بأسره كان عبارة عن التحلي بالثقافة العصرية الحديثة والتزين بأنواع العلوم والمعارف المتواجدة والمتداولة آنذاك.
والثاني هو ما كان يمثله العلماء و ولاة أمور الدين فردا وجماعة بإنشاء كتاتيب ومدارس صغيرة في القرى والأرياف وعلى مستوى المدن، وربما في المساجد والبيوت إن لم يتيسر لهم موقع مطلوب. والحق أنه رد فعل سري ضد النظام التعليمي الجديد والإجابة الصامتة على التحديات والبوادر التي كان الهنود في مواجهتها.
ولو أن ما عنى به السرسيد هو نفس ما أراده اللورد بتقديم المشروع الثقافي الجديد في الهند وكانت الأمة بحاجة إليه إلا أنه ما زال معتوبا ومغضوبا عليه إلى مدة معتدة بها، من قبل جمهور المسلمين وبخاصة العلماء. ولأجل ذلك بذلوا قصارى جهودهم في تشييد وبناء المدارس والمعاهد والكتاتيب عبر المدن والبلاد. وهذه المدارس والكتاتيب الإسلامية ظلت حصنا حصينة وقلعا منيعة للثقافات الإسلامية ودراسات العلوم والفنون المختصة بها أصلاً وفرعاً.
وهي، في جانب إذا كانت مصدرا وحيدا للشؤن والقضايا الدينية العامة منها والخاصة، ففي جانب آخر إنها ساهمت في ازدياد معدل التثقف واصلاح أوضاع الشعب الثقافية عندما لم تكن المؤسسات الحكومية توفر التعليم مجانا وبدون رسوم. وفي حين كانت تقدم الجامعات والكليات الحكومية خدماتها في أقطار محددة من البلد، فهذه الدور التعليمية قد فتحت أبوابها بمصراعيها لكل صغير وكبير وغني وفقير. ومع مرور الزمن توسع نطاقها وازدادت مساحتها. فبين أن كانت كتيبا صغيرا لا تسع أن تؤوي أكثر من عشرة أو عشرات من الطلاب لقلة حجمها وضيق رقعتها إلى أن أصبحت ذات مساحات كبيرة ومباني شامخة وتسهيلات حديثة وحرم سكني يوفر فيها الطلاب كل ما يلزم من المواد الأساسية في سبيل الدرس والتعلم.